في ملتقى الفكر الإسلامي : وواجب الوقت الآن هو إطعامُ الجائع، ومداواةُ المريض ، وإكسابُ المعدوم
في ملتقى الفكر الإسلامي :
الشيخ/ عبد الفتاح جمعة:
صرف الزكاة إلى مستحقيها يسهم في تحقيق روح التكافل والتراحم
وسد حاجات الفقراء وعلاج المرضى من أولى الأولويات في الظروف الراهنة
الشيخ/ أحمد مكي:
إذا وُظِّفت الزكاة توظيفًا صحيحًا في مصارفها الشرعية أسهمت في استقرار المجتمع
وواجب الوقت الآن هو إطعامُ الجائع، ومداواةُ المريض ، وإكسابُ المعدوم
برعاية كريمة من معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وفي إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، أقيمت مساء يوم الأربعاء 20 / 5 / 2020م الحلقة السابعة والعشرون لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وجاءت بعنوان: ” مصارف الزكاة “، وحاضر فيها كل من: الشيخ / عبد الفتاح عبد القادر جمعة المساعد العلمي لمدير عام التدريب بوزارة الأوقاف ، والشيخ/ أحمد مكي إمام وخطيب بوزارة الأوقاف ، وقدم للملتقى الإعلامي أ / محمد عامر المذيع بقناة النيل الثقافية .
وفي كلمته أكد فضيلة الشيخ / عبد الفتاح عبد القادر جمعة أن الزكاة أحد أركان الإسلام ودعائمه ، فهي الركن الثالث من أركان الإسلام ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) ، وقد دل على وجوبها الكتاب والسنة والإجماع ، قال تعالى:{وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ}، وقال تعالى :{وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، وقال تعالى متحدثا عن مصارف الزكاة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ، مشيرًا إلى أن الله (عز وجل) أوجب الزكاة على عباده بشروطها المعتبرة شرعا ، ولأهميتها قرنها سبحانه في كثير من مواضع القرآن الكريم بأعظم الفرائض وأجلها وأعلاها مكانة ، ألا وهي الصلاة ؛ تعظيمًا لشأنها، وتنويهًا بذكرها، وترغيبًا في أدائها، وترهيبًا من منعها، أو التساهل في تركها ، يقول سبحانه:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}، وفي موضع آخرَ يقول جل شأنه: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
كما أشار فضيلته إلى أن القرآن الكريم حدد مصارف الزكاة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}ففي هذا التوزيع الإلهي على هذه الأصناف الثمانية الأكثر احتياجًا في المجتمع تحقيق للعدل الاجتماعي ، وضمان لقوة المجتمع وتماسكه واستقراره وأمنه وأمانه ، وترسيخ أسمى صور التكافل ، فقد شملت الآية الفقراء والمساكين ؛ وجعلت كفايتهم ، وسد حاجتهم من أهم الأبواب التي تصرف فيها الزكاة ، حيث بدأت بذكرهم للتأكيد على أولويتهم في استحقاق الزكاة .
فلو أن أهل الأموال جميعهم أخرجوا زكاة أموالهم ، وصرفوها لمستحقيها ، لما بقي في المسلمين فقير ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): (وَيْلٌ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنَ الْفُقَرَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُونَ: رَبَّنَا , ظَلَمُونَا حُقُوقَنَا الَّتِي فَرَضْتَ لَنَا عَلَيْهِمْ , فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُدْنِيَنَّكُمْ وَلَأُبَاعِدَنَّهُمْ ) ، ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قول الله تعالى:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، ويقول الإمام على بن أبي طالب (رضي الله عنه): “إن الله (عز وجل) فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء ، فما جاع فقير إلا بما مُتّع به غني” ، ومن ثم فإن سد حاجات الفقراء وعلاج المرضى أولى الأولويات في الزكاة والصدقات في الظروف الراهنة .
وفي ختام كلمته أكد فضيلته أن إخراج الزكاة باب عظيم للفلاح في الدنيا والآخرة ، ونيل رضوان الله تعالى ومحبته وبركته ، ووراثة جنة الفردوس، والخلود فيها ، ففي صدر سورة المؤمنون قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}،ثم قال سبحانه واصفًا ثوابهم: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
وفي كلمته أكد فضيلة الشيخ / أحمد مكي إمام وخطيب بوزارة الأوقاف أن الزكاة حق أصيل في المال ، وقد قال سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) : ثلاث في القرآن الكريم نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل واحدة منها دون الأخرى ، وهى قوله تعالى:{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ}، إذ لا تقبل طاعة الله مع معصية رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، فمن ضيّع الزكاة مع وجوبها عليه لم تغن عنه صلاته من الله شيئًا ، وقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}، فمن لم يشكر لوالديه جميلهما وصنيعهما لم يشكر الله (عز وجل) ، ومن ثم فيجب على المسلم الالتزام بإخراج الزكاة في مصارفها التي وضحها لنا القرآن الكريم ، وأن يعلم أن الإنسان مقدم على البنيان، فصيانة الإنسان أهم من صيانة البنيان.
كما أشار فضيلته إلى أن الزكاة إذا وُظِّفت توظيفًا صحيحًا في مصارفها الشرعية سدت ثغرة كبيرة في احتياجات الفقراء والكادحين والمصالح العامة للوطن ، وإذا سَخَت نفس الأغنياء والقادرين بالصدقات والقيام بواجبهم في باب فروض الكفايات من إطعام الجائع ، وكساء العاري ، ومداواة المريض ، وإعانة المحتاج ، والإسهام الجاد فيما يحتاج إليه الوطن من إصلاح وسلاح وعتاد فإن وجه الحياة لأي وطن سيتغير ، ولن يكون بين أبنائه محتاج ولا متسول ، فالأصل في الزكاة أن تعود بالنفع على الفقير وتقضي حاجته ، ومن المقرر شرعًا أن إعطاء الزكاة لمستحقها الذي تربطه صلة قرابة بالمزكِّي أولى وأفضل في الأجر والثواب من إعطائها لمن لا تربطه به صلة قرابة ، حيث يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ( الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ )، وذلك بشرط أن لا يكون هؤلاء الأقارب ممن تجب على المزكي نفقتهم، وأما الأقارب الذين تجب عليه نفقتهم فلا يجوز إعطاؤهم من الزكاة .
وفي ختام كلمته أكد فضيلته أن هناك تدابير أخرى جاءت متوازية مع فريضة الزكاة ، للتأكيد على تماسك المجتمع ، وجعله كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ، فقد جاء في الشريعة الغراء الحث على أنواع من التصدق والإنفاق الذي يدعم دور الزكاة المفروضة لتحقيق ثمارها المنشودة في استقرار المجتمع ، ومن ذلك قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : (إِنَّ فِي الْمَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ )، ثُمَّ تَلا قول الله تعالى:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ .. الآية}، فما أحرى الأغنياء أن يقفوا بجانب الفقراء ، وأن يمدوا إليهم يد الرحمة والمعونة والعطف والإحسان ، وما أجمل المجتمعات التي تتماسك وتتكاتف لتصل بأيدي أبنائها وسواعدهم، وتعاونهم إلى تحقيق الحياة الكريمة الطيبة .